كيف فشلت الجزائر في تسيير أزمتها مع فرنسا لتنهيها "خاسرة" بدون مكاسب سياسية خصوصا في قضية الصحراء ؟
تتجه الجزائر إلى إنهاء الأزمة التي افتعلتها مع فرنسا في الشهور الأخيرة، بعدما تلقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أول أمس الاثنين، اتصالا هاتفيا من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث ناقشا بشكل "مطول وصريح وودّي" حسب تعبير بلاغ الرئاسة الجزائرية، وضع العلاقات الثنائية والتوترات التي شهدتها الأشهر الأخيرة.
وأكد البلاغ أن الطرفين اتفقا على استئناف التعاون الأمني بين البلدين بشكل فوري، إلى جانب التعاون في ملف الهجرة، بما يضمن تسهيل حركة الأشخاص بين الجزائر وفرنسا بطريقة "موثوقة وسلسة وفعالة"، مع التأكيد على أهمية التعاون القضائي، حيث تقرر تجسيد زيارة وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، إلى الجزائر لمواصلة المحادثات المتعلقة بهذا الملف.
كما اتفق الجانبان، وفق البلاغ، على تعزيز التعاون الاقتصادي، حيث تعهّد الرئيسان بالعمل على تطوير التجارة والاستثمار المشترك، في إطار يحترم مصالح البلدين، وأبلغ ماكرون نظيره الجزائري بدعم فرنسا لمراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.
وفي سياق إعادة الدفء للعلاقات، أشار البلاغ إلى أن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، سيقوم بزيارة الجزائر في 6 أبريل، بدعوة من نظيره الجزائري أحمد عطاف، من أجل تحديد خارطة طريق للتعاون المستقبلي، بحسب ما جاء في بلاغ الرئاسة الجزائرية.
لكن في ظل هذه التطورات، التي تبدو مفاجئة و"غير مفهومة" الأسباب، حسب العديد من القراءات السياسية، لم يتحقق أي مكسب جزائري في القضية التي فجّرت الأزمة مع فرنسا، والمتمثلة في موقف باريس الداعم للمغرب في ملف الصحراء المغربية.
وفي هذا السياق، كشف الخبير في العلاقات الدولية، خالد الشيات، في تصريح لـ"الصحيفة"، عن بعض الجوانب التي تدفع الجزائر اليوم إلى إنهاء أزمتها مع باريس، حيث أبرز أن الجزائر لم تتمكن من تسيير هذه الأزمة بما يضمن لها تحقيق مكاسب سياسية، مشيرا إلى أنها افتعلت الأزمة بسبب موقف فرنسا من الصحراء المغربية، لكنها لم تضع رؤية استراتيجية واضحة لمسارها ومآلاتها.
وأضاف الشيات في هذا السياق، أن "الدخول في أزمة دبلوماسية يجب أن يكون مرتبطًا بالقدرة على تسييرها والخروج منها بنتائج إيجابية"، مضيفا في هذا الإطار أن الجزائر لم تقم بهذا الأمر، ولم تأخذ في الاعتبار العواقب الاقتصادية لهذه الأزمة.
كما أشار إلى أن هناك تضارب في الاتجاهات والتيارات داخل الجزائر، فيما يخص مقارباتها للأزمة مع فرنسا، حيث لفت إلى أن "هناك اتجاه جامد وهناك اتجاه آخر مع تلطيف الأجواء السياسية، ويبدو أن الأخير هو الذي يتجه نحو إيجاد حلول" للأزمة مع فرنسا في الوقت الراهن.
وأوضح الشيات أن الأزمة التي افتعلتها الجزائر ضد فرنسا لم تكن تستند إلى دافع داخلي موضوعي بالنسبة إليها، ولا سيما أنها تدعي بأنها ليست طرفا في نزاع الصحراء المغربية، وبالتالي "كان من الممكن أن يمر الموقف الفرنسي، بشكل عادي، دون أن يؤدي إلى كل هذه الأزمة مع فرنسا".
وبخصوص عدم حصول الجزائر على أي مكسب في قضية الصحراء وغياب هذا الموضوع عن المكالمة الهاتفية بين تبون وماكرون، قال الشيات إنه "لم يكن من الممكن للجزائر أن تطلب من باريس التراجع عن قرارها بعد أشهر قليلة فقط من اتخاذه، ولذلك لم يتم التطرق لهذا الموضوع خلال الاتصال بين ماكرون وتبون".
ويرى الشيات في هذا السياق، أن فرنسا ترتبط بالمغرب بتوازنات استراتيجية تشمل مصالحها في القارة الإفريقية ومستقبل علاقاتها مع الرباط، ما يجعل أي تغيير في موقفها من قضية الصحراء غير وارد.
وأكد أن "هذه الأزمة ستنتهي قريبا بتنازل جزائري، لأن حسابات الجزائر الاقتصادية كانت في خطر"، مشيرا إلى أن "الفرنسيين كانوا يدركون منذ البداية أن هذا المآل كان متوقعًا، وأنهم سيجنون مزيدًا من الفوائد الاقتصادية والسياسية من هذه الأزمة".